حسن جوهر: سكان دول «التعاون» 80 مليون نسمة مع نهاية القرن
أكدت دراسة استشرافية أعدها النائب د.حسن جوهر ـ قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت، أن جيل الشباب اليوم هم الأكثر انخراطا في المشاركة المدنية والحراك السياسي والتوقيع على البيانات السياسية والاحتجاجات، والانضمام لمؤسسات المجتمع المدني.
وجاء في الدراسة التي تمحورت حول تحولات التركيبة الديموغرافية بشأن الشباب والانتقال الديموقراطي في دول الخليج أن جيل الشباب يتميز بجرأة كبيرة في الطرح السياسي وبشكل مباشر ويميل إلى كسر المظاهر التقليدية التي جبل عليها أسلافهم، ويشمل ذلك طرق مخاطبة السلطات، وهو جيل قادر على خلق رأي عام بشكل سريع، وخلال سنوات سينتشر هذا الجيل والأجيال التالية في مفاصل الدولة وفي مواقع القرار وهم يحملون أفكارهم التغييرية.
كما يرى جوهر أن قدرة الشباب على إحداث أي تغييرات سياسية في مستقبل دولهم الخليجية تكمن في احتمالين، أولهما هو الضغط المتواصل على مفاصل الدولة لتلبية احتياجاتها اليومية كتوفير فرص العمل والتعليم والصحة، حيث إن الأرقام المستقبلية كبيرة لدرجة تبعث على الترقب والقلق، بينما يأتي الاحتمال الثاني على شكل المفاجأة في مطالبات سياسية ذات السقف العالي، وهي بمنزلة قنبلة موقوتة تكررت في عدة محطات سابقة ولم تسلم منها أي دولة خليجية، فأي حراك شبابي قادم سوف يكون أوسع في دائرته ومحيطه وتأثيره.
ويقول إن الهوية الشبابية في المرحلة القادمة ستتشكل حول مجموعة من الصفات الجديدة الآخذة في التنامي، وبالتالي تتوافر لها الأرضية لاستبدال بعض أوجه الجمود في البنى الأساسية للديموقراطية، وتكمن محاور هذه الصفات في استبدال ديناميكيات الحراك الاجتماعي، فمن جهة ساهمت التقنيات الحديثة في اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي بدلا من مؤسسات المجتمع المدني التقليدية الضعيفة أو المحدودة في المجتمعات الخليجية بالإضافة إلى ذلك، فإن سقف المطالب والرغبات والطموحات السياسية للشباب انطلق من المحدودية إلى العالمية، ومن التدرج إلى السرعة والاختزال، ومن طريقة الاستجداء إلى فرض الأمر الواقع، بالإضافة إلى الضغط العددي الكبير الذي تتشكل منه القاعدة الشعبية الشبابية على متخذ القرار أيا كان موقعه وصلاحياته وأدواته السياسية.
ولقد بدأت الدول الخليجية في تبني بعض المشروعات المستقبلية الواعدة ومحورها الشباب، وفي مقدمة هذه البرامج الطموحة خطط التنمية الاستراتيجية الممتدة للعام 2035 والتي دشنتها كل من السعودية وقطر والإمارات والكويت، ولكن هذه الخطط بحاجة مؤكدة إلى غطاء سياسي يتمتع بالشفافية والشراكة الحقيقية في اتخاذ القرار على نحو مؤسسي، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عن طريق المعابر الديموقراطية.
كما أن منطقة الخليج لا تزال تتمتع بدرجات أعلى من الاستقرار السياسي مقارنة بالكثير من نظيراتها العربية، ولكن يجب المحافظة عليها وتعزيزها عبر بوابة المزيد من الانفتاح السياسي وتدشين المبادئ الأساسية للديموقراطية. وإلى التفاصيل:
تشهد دول مجلس التعاون الخليجي تحولات سريعة ومتواصلة في تركيبتها الديموغرافية، في ظل نمو سكاني مطرد، حيث يتوقع أن يصل عدد السكان في دول المنظومة الخليجية إلى قرابة 80 مليون نسمة في غضون ما تبقى من القرن الحالي، ومن أبرز ملامح هذه التغييرات الديموغرافية التوسع الأفقي الآخذ في الازدياد سنويا لشريحة الشباب بين 18 و30 سنة والتي ستشكل ما نسبته 65% على الأقل من التركيبة السكانية على مدى عدة عقود متعاقبة.
تتناول هذه الدراسة الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذا التحول الديموغرافي المعقد وانعكاسات ذلك على تبدل البنية الهيكلية للواقع الاجتماعي والسياسي في دول الخليج العربي، التي شهدت أجواء من القلق والترقب لدى صناع القرار على ضوء تداعيات الربيع العربي من جهة، وطبيعة الضغوطات الخارجية الممتدة طوال حقبة العولمة الجديدة من جهة أخرى.
وستركز الدراسة تحديدا على تحليل التغييرات المحتملة في البنى الاجتماعية والسياسية التي يدفع بها جيل الشباب المنفتح على تقنية المعلوماتية الحديثة والأفكار والتطلعات العابرة للقارات بالتزامن مع التحديات التي تواجهها حكوماتها على صعيد المحافظة على مستويات المعيشة العالية في ظل تراجع أسعار النفط والحاجة الملحة إلى الاستثمار في البنية التحتية القادرة على تلبية احتياجات الانفجار العددي الهائل للشرائح العمرية الصغيرة، ناهيك عن المخاطر الأمنية التي تحيط بالمنطقة والقابلة للاستمرار والتصعيد في المستقبل.
الأهم من ذلك، تشهد غالبية دول الخليج تداخلا بالثقافات في عصر العولمة والثورات الإعلامية والمعلوماتية والتوجه نحو المشاركة الشعبية في صنع القرار بقيادة الشرائح الشبابية التي زلزلت تحركاتها الواقع السياسي برمته تحت شعار «الربيع العربي»، وقرع جرس الإنذار لمستقبل قد يكون مختلفا تماما في السنوات القادمة، الأمر الذي يتطلب احتواء هذا المخزون الفكري الذي يتصف بالجرأة في الطرح والتحرك الميداني السريع.
وتحاول هذه الدراسة استعراض السيناريوهات المحتملة لآفاق المستقبل السياسي والتحول الديموقراطي على ضوء التحولات الديموغرافية المرتقبة وجعل الحياة الخليجية أفضل وأكثر استقرارا لشعوبها وأقدر على استثمار الموارد المادية والبشرية في مواجهة تحديات غير مسبوقة مع الاستفادة من مخزون التجربة الديموقراطية في عصر العولمة وما بعد العولمة.
موجات الديموقراطية عبر التاريخ
لم تعد الديموقراطية بموروثها الفكري العميق وتــاريخهــا الســياســي وتطبيقاتها المختلفة مجرد نموذج قائد للسلطة والحكم، والذي بات يهيمن على نطاق الجغرافيا الكونية، بل تحولت إلى أيقونة حضارية متلازمة مع آفاق العولمة المعاصرة، وتدل مؤشرات نجاح الديموقراطية كحاكمية سياسية على الاستمرار والتجذر والانتشار لسنوات طويلة قادمة في المسيرة البشرية.
الديموقراطية الحديثة تجاوزت الحدود السياسية لشكل وأداء السلطة، وتشعبت جذورها في الحياة اليومية للفرد والمجتمع والدولة، في حراك ديناميكي معقد يقود عجلة الاقتصاد ومؤسسات المجتمع المدني والحريات الشخصية ووسائل الإعلام وحركة الفكر وحق المشاركة في صنع القرار عبر صناديق الاقتراع وفرض الرقابة على المؤسسات الحاكمة إضافة إلى حق الاعتراض والاعتصام والتظاهر من جهة، وتجسيد مبادئ الاحترام والتسامح والتعايش بين مكونات المجتمع في إطار العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات وحرية المعتقد والرأي تحت مظلة من الأمن المشترك والتمتع بخدمات الدولة العامة من جهة أخرى (سالم، 2011، Fukuyama ،2014).
محور الديموقراطية
محور الديموقراطية هو الإنسان، بكل ما يحمله من مشاعر وسلوك وفكر وتنشئة وخلفيات اجتماعية واثنية وعلاقات مجتمعية، وبما يقدمه من إسهامات فردية وجماعية ومؤسسية لتغذية وإدارة هذه المنظومة الضخمة، فهو الكاتب وهو الناقد وهو الناخب وهو الحاكم وهو المحكوم، ولذا اختزلت فلسفة وشعار الديموقراطية في «حكم الشعب من الشعب وإلى الشعب».
أخيرا، الديموقراطية موروث إنساني وحضاري تؤول ملكيته إلى جيل تلو آخر في حركة مستمرة، يكون للجيل المؤسس لها حق المحافظة على مبادئها الأساسية، بينما من حق الجيل المعاصر تطويرها وتعزيزها وتكييفها بما يتناسب مع طموحاته وحاجاته المستجدة ومواجهة تحديات زمانه.
ولما كان الإنسان هو عصب هذه الديموقراطية ومحركها، فإن فئة الشباب هم في طليعة هذا الحراك بسبب القاعدة العريضة التي يمثلونها في التركيبة المجتمعية، والأهم من ذلك أنهم الرافد الأقوى من حيث الفاعلية والحماس والمنبع الذي تتأتى منه إرادة التغيير وروح التحدي والأفكار الجديدة (إبراهيم، 2013).
موجة الديموقراطية هي البوابة الرئيسية التي تفتح آفاق هذا التحول الجذري في حياة الأمم وتقود إلى وضع مرتكزات جديدة لنظام الحكم السياسي الذي يبدأ بدوره تدشين مؤسسات الدولة وأنظمتها الاجتماعية والاقتصادية وفق الرؤى الشعبية وبمشاركة كل فئات المجتمع، وعادة ما تنطلق هذه الموجة من مجموعة من الظروف والاعتبارات التي تعود إلى الأوضاع الاقتصادية البائسة وبلوغ أنظمة الحكم درجة غير مسبوقة من الديكتاتورية، وقد يتزامن ذلك مع معطيات خارجية حاضنة للتغيير ومدعومة بشبكة إعلامية قوية تقود إما إلى عملية تغيير خاطفة وسريعة، أو سرعان ما تنتهي لتعود معها الأمور إلى طبيعتها الساكنة إلى أجل غير محدد، لتنتظر ظروف ومتطلبات انطلاقتها من جديد.
إذا استقرأنا التجارب الديموقراطية، القديمة منها والحديثة، نجدها تشترك في مجموعة من العوامل التي يمكن أن نطلق عليها «شرارة الديموقراطية»، ومتى ما اندلعت هذه الشرارة يمضي قطار التغيير الديموقراطي لينطلق على متنه من لحق به، بينما يبقى الآخرون في طابور انتظار الرحلة التالية.
تبعا لتحليل (سالم، 2011)، فقد اعتلت أولى موجات الديموقراطية في العالم مع انطلاقة الثورتين الأمريكية والفرنسية في الربع الأخير من القرن الثامن عشر بين العامين 1783 و1789 على التوالي، لتشكلان معا نواة المبادئ الدستورية الحديثة ومفهوم حكم الشعب في كل من أوروبا والأميركيتين، ثم توالت أحداث ما يمكن تعريفه بـ «الربيع الأوروبي» (1848) لتجرف أمواجه أكثر من 29 دولة على قطار الديموقراطية السريع في غضون سنوات قليلة لم تزد على عقد من الزمن، ولحقتها الموجة الثالثة بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة حيث اكتسحت الديموقراطية أوروبا الغربية بأكملها، ووصلت لأول مرة في التاريخ إلى تخوم قارة آسيا، حيث التحول التاريخي في كل من اليابان والهند، كما هبت رياح الموجة الديموقراطية التالية مع بداية السبعينيات من القرن العشرين على جنوب أوروبا لتشمل إسبانيا والبرتغال واليونان، بالتزامن مع موجة أخرى غطت البرازيل وعددا من دول أميركا الجنوبية.
مع انهيار الاتحاد السوفييتي (1991 ـ 1992)، شهد التاريخ البشري أكبر ربيع ديموقراطي، حيث الانتقال السريع لإرادة الشعوب سياسيا في عموم أوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفييتي الاشتراكية، كما شهدت أمريكا الوسطى موجة خاطفة من رياح الديموقراطية التي ساهمت في إبرام اتفاقية السلام في العام 1991، والتي أنهت قرابة نصف قرن من الحروب الأهلية وتحول الإقليم برمته إلى النموذج السياسي التعددي، وما لبثت القارة الأفريقية أن لحقت بركب موجة أخرى للديموقراطية في منتصف تسعينيات القرن العشرين، فساهمت بشكل لافت في ترجيح كفة الدول الديموقراطية في العالم إلى ما نسبته 60% (سالم، 2011).
العالم العربي كان على موعد مع هذه الموجة الديموقراطية التي عرفت بأحداث الربيع العربي بين العامين 2010 و2011، وعصفت بالعديد من الدول العربية، وشملت الدول العربية الصغيرة والكبيرة والغنية والفقيرة على حد سواء، لكن بدرجات متفاوتة ونتائج مختلفة.
مع ذلك يراهن البعض على أن الحراك السياسي في الوطن العربي لم يمت وقد تحول إلى نار تحت الرماد، وإن كان متقطعا أو ضعيفا، ليبرز من جديد ولكن بشكل أكبر وأوسع نطاقا ولربما أسرع في وتيرة إحداث التغييرات الديموقراطية المطلوبة (أمعضشو، 2012، Broder ،2012)، ويعود السبب في ذلك إلى عاملين أساسيين، أولهما أن الكثير من الدول العربية تعاني من مشاكل واختلالات كبيرة، وفي طليعتها الفقر ومشاكل التعليم وتردى مستوى الخدمات الأساسية والتلوث وتفكك النسيج الاجتماعي وتفشي الفساد في المؤسسات الحاكمة وفقدان الكرامة الإنسانية والحقوق السياسية، وذلك بالمقارنة بما حققتها التجارب الأممية في مجال الديموقراطية من نجاحات ملموسة انعكست على مستوى التنمية وارتفاع معدلات المعيشة واحترام حقوق الإنسان والسلم الأهلي وتداول السلطة ومزيد من التعاون وحسن الجوار مع محيطها الخارجي، الأمر الذي يجعل الشعوب تواقة باستمرار لاقتفاء أثر النجاح أينما كان مصدره وأيا تكن كلفته من تضحيات عاجلا أم آجلا، (الأشقر، 2013).
والنظرة المستقبلية لآفاق التغيير السياسي تكمن في شريحة الشباب، فالشباب دائما هم ترجمة لقوة اجتماعية ضاربة، وهم وقود الثورات أو جزء مهم من ديناميكية التحول والانتقال، لذلك فإن استقراء مؤشرات التحول الديموقراطي وفرص نجاحها يعتمد بشكل مهم على تصور هذه الشريحة للمرحلة القادمة ومركزية موقعها وفهم طموحاتها بما في ذلك الإرادة الحقيقية والواعية للتغيير نحو الأفضل، وهذه المتطلبات تقودنا إلى ضرورة رصد وتحليل المؤشرات الديموقراطية واتجاهاتها المستقبلية من جهة، وخصائص القاعدة الشبابية والأطر الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تواكب تنشئتها وتحدد أنماط سلوكها والأهم من ذلك تصوراتها ورؤاها المستقبلية عن الذات ومآل مجتمعاتها من جهة أخرى.
وتعد دول مجلس التعاون الخليجي امتدادا للمشروع العربي، وإن اختلفت عن الكثير من الدول العربية الأخرى في بنيتها الاقتصادية وتركيبتها الاجتماعية وأنظمتها السياسية، فوفق مؤشرات التنمية تحتل دول الخليج في الغالب مواقع متقدمة في مستويات المعيشة ومتوسط دخل الفرد ودرجات الجودة في الخدمات الأساسية العامة، وقد حولتها الوفورات المالية الضخمة إلى دول ريعية تقدم لمواطنيها الكثير من المزايا والخدمات المجانية من المهد إلى اللحد، الأمر الذي يعتبرها بعض المحللين «عصية على الديموقراطية» (النجار، 2008)، إلا أن هذه المزايا لم تكن طوال التاريخ السياسي للكثير من دول الخليج عائقا أمام المطالبات الشعبية بمزيد من الحريات والمشاركة في صنع القرار وتبني المبادئ الأساسية لحياة ديموقراطية، بل شهدت المنطقة تجارب متنوعة، وقد تزامنت صور حديثة منها مع أحداث «الربيع العربي».
انطلاقا من ان جيل الشباب كان دائما، وعبر التاريخ، في مقدمة الركب المطالب بالتغيير والمحرك الأهم في ديناميكيتها، تهدف هذه الدراسة إلى استقراء التحول الديموقراطي في منطقة الخليج العربي مع التركيز على دور الشباب في هذا الاتجاه، وتحليل فرص نجاح التحول الديموقراطي على ضوء المتغيرات الديموغرافية للتركيبة السكانية في دول مجلس التعاون من جهة، واستنادا إلى التجارب السياسية والمحاولات السابقة الرامية إلى المزيد من الانفتاح السياسي من جهة أخرى، ووفق المعطيات الجديدة الآخذة في التغيير على مستوى التغييرات المحتملة في البنى الاقتصادية والاجتماعية والفكرية في هذه المجتمعات الخليجية.
أهمية الدراسة
تنبع أهمية الدراسة من موجات التغيير السياسي العاصف بالبشرية منذ انطلاق الدولة القومية الحديثة إثر إبرام معاهدة «وتسفاليا» في العام 1648، مع ثبات هذه التجربة حتى قيام الثورتين الفرنسية والأميركية في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، ومرورا بمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية (1945)، وأخيرا في ظل عصر العولمة اللاحق لانهيار التجربة الشيوعية في العالم إلى الأبد، حيث مضت حركة الديموقراطية في وتيرة متصاعدة لتسقط أمامها النماذج الأخرى من السلطة والحكم السياسي، ولم تعد أي دولة محصنة ضد هذا التحول بشكل أو بآخر، ومنها الدول العربية التي شهدت حركة سياسية شعبية خاطفة ومفاجئة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن منطقة الخليج العربي، التي تعد من بين أهم المناطق الحيوية والإستراتيجية في العالم، بحاجة إلى رؤى جديدة في مختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالنظام الأبوي في ظل الدولة الريعية لا يمكن أن يبقى إلى الأبد لتستمر معه مركزية التفكير والقرار والتنفيذ، التي لم تعد تتوافق مع التطورات الراهنة في عصر المؤسسات والتكتلات السياسية والاندماجيات الإقليمية، كما أن التحولات الديموغرافية في المجتمعات الخليجية قاطبة تنبئ بطفرة سكانية ذات معدلات نمو عالية تصل معها الكثافة البشرية إلى أرقام قياسية بحلول منتصف القرن الحالي، ولم تعد الثروة النفطية بتقلباتها الراهنة وانكماش عوائدها المالية قادرة على الحفاظ على مستويات الرفاه الحالية، ولم يعد الحديث عن الديموقراطية كأحد الخيارات القوية القادمة مقتصرا على النخب السياسية أو الثقافية، بل بات يشمل رجل الشارع، حيث بلغت شعوب المنطقة درجة من النضوج الفكري والثقة في النفس بأنها صاحبة كفاءة ومقدرة على خدمة مجتمعها والمشاركة الحقيقية في اتخاذ قراراته ورسم مستقبله (العمادي، 2004، بونعمان، 2013).
أخيرا، فإن الديموقراطية مشروع حياة، ولا يمكن تحقيقها إلا بشروط مسبقة ومراحل تحضيرية ورغبة صادقة وعزم على ترسيخ مبادئها وبناها التحتية، وهذا ما يتطلب دراسة التجارب السياسية السابقة في دول المنطقة ومستويات الاختراق التي حققتها من أجل تقييم الفرص الكامنة لتدشين مثل هذا المشروع الكبير لضمان نجاحه، فأي تعثر أو ارتباك في هذا المسار قد يؤدي إلى نتائج كارثية مثلما أثبتت معظم تجارب «الربيع العربي» في العام 2011، ففي السياق الإنساني وبناء على العديد من المعطيات التي سيتم تناولها خلال هذه الدراسة تبقى الديموقراطية، جزئيا أو كليا، هي احد الخيارات التي سيتم فرض نفسها على دول الخليج، لذا يفترض أن تكون الاستعدادات لها جاهزة ومدروسة ومهيأة من الآن في بناء تصاعد يواكب المستجدات ببعديها الفكري والسياسي من جهة، والواقعي المؤسساتي من جهة أخرى، وبالاتفاق والقناعة الصادقة والمتبادلة بين الحاكم والمحكوم.
أهداف الدراسة
تكمن أهمية الدراسة في ضرورة رصد التحول الديموغرافي في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال مؤشرات النمو السكاني والتوزيع العمري للسكان، حيث تبرز جلية ظاهرة تنامي الشريحة الشبابية واستمرار وتيرة زيادتها في معظم فترات القرن الحادي والعشرين، ووفقا لتصنيف الأمم المتحدة فإن شريحة الشباب التي تقع بين الفئة العمرية من 15 إلى 30 سنة بلغت 1.5 مليار نسمة مع بداية القرن الحالي، وتشكل ما نسبته 20% من سكان العالم، كما أن 75% من شباب العالم هم من شعوب العالم الثالث، وتتراوح نسبة الشباب في معظم الدول العربية بين 50 و60% (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2016 أ)، ومثل هذه الحقيقة الديموغرافية يجب أن تكون المحور الأساسي لجميع الدراسات والتدابير والسياسات القادمة، كما أن دول مجلس التعاون تشهد في سياقها العام مثل هذا التحول الديموغرافي، حيث زادت الكثافة السكانية من 21 مليون نسمة في العام 1990 إلى 47 مليونا في العام 2012 (شكل 1)، ومن المتوقع أن يصل عدد السكان في المنظومة الخليجية إلى 60.6 مليون نسمة في العام 2030 ثم إلى 70.5 في العام 2050 (انظر من شكل 2-A إلى 2-F)، لذا من الضروري متابعة هذه المؤشرات ومضامينها الكامنة وتأثيرها على البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في هذه المجتمعات الخليجية.
وتهدف الدراسة أيضا إلى فهم متطلبات الديموقراطية الحديثة وتطبيقاتها المحتملة في الدول الخليجية، وهل ستحمل المتغيرات المستقبلية الحاضنة الفكرية والمؤسساتية لاستقبال أو تبني الديموقراطية بصورها أو نماذجها المختلفة؟ وهل يتناسب ذلك مع الفكر والمنهج والسلوك الجديد الذي تحمله القاعدة الشبابية؟ وأهمية ذلك على التنمية المستدامة والاستقرار السياسي في وجه بعض الظواهر السلبية التي اخترقت عصر العولمة مثل التطرف والإرهاب والعنف والجريمة والعصبية الشعبوية.
منهجية الدراسة
تعتمد الدراسة على أهم نظريات الديموقراطية ومتطلباتها والعوامل التي تؤدي إلى خلق أرضية لقيام النماذج الديموقراطية سواء من حيث الحريات العامة أو بناء المؤسسات الدستورية والقواعد القانونية أو إصلاح البنى الاقتصادية الكفيلة بإرساء ركائز الديموقراطية على أساسها، ومدى توافر هذه المتطلبات في المجتمعات الخليجية على ضوء تطورها السياسي وتجاربها السابقة أو الإصلاحات السياسية التي شهدتها خلال محطات تاريخية مختلفة، أو التغيرات السريعة التي من شأنها توفير أسس جديدة للديموقراطية، إضافة إلى مدى تماسك وصمود الآليات التقليدية التي وقفت ولاتزال في وجه التمكين الديموقراطي بدول الخليج، ودور الشباب كقوة صاعدة وبما تحمل من أفكار وسمات شخصية لإحياء ذلك، ومدى استعداد الحكومات الخليجية لفتح نوافذ الديموقراطية.
الدراسات السابقة
خضعت التجربة السياسية في دول الخليج العربي لدراسات كثيرة ومتنوعة، وتباينت الرؤى والتحليلات الخاصة بها حول فرص دمقرطة المنطقة، حيث غلب على معظمها طابع التشاؤم ومحدودية فرص الديموقراطية الحديثة أو الكاملة مقارنة بالعديد من تجارب النجاح في دول العالم الثالث أو الفرص الإيجابية المواتية في دول عربية أخرى.
فمنذ استقلال دول الخليج مع بقية نظيراتها من الدول الحديثة في العالم الثالث بعد انهيار عهد الاستعمار في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتحديدا منذ العام 1932 عندما تأسس أول كيان سياسي في المنطقة إثر توحيد شبه الجزيرة العربية على يد الملك عبدالعزيز آل سعود، مرورا باستقلال الكويت في العام 1961، وانتهاء باستقلال كل من عمان وقطر والبحرين والإمارات بعد إعلان الجلاء البريطاني عن الخليج في العام 1971، حافظت هذه الدول جميعا على نفس نموذج الحكم السياسي التقليدي، وهو نموذج رغم بعض اختلافاته الشكلية إلا أنه يستند إلى حاكمية العوائل المالكة على مجتمعات يغلب عليها الطابع القبلي.
تجاوزت منطقة الخليج في ظل أسرها الحاكمة ومنذ منتصف القرن الماضي الكثير من رياح التغيير السياسي التي شهدها الوطن العربي من انقلابات عسكرية أو ثورات شعبية أو المحاصصات السياسية، ونجحت في التغلب على الاهتزازات الأمنية والحروب المسلحة التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط، وأخيرا استطاعت الحكومات الخليجية احتواء أحداث «الربيع العربي» في العام 2011، وحافظت على أنظمة الحكم القائمة (غينغلر، 2016، الكواري، 2002).
كانت الثروة النفطية وعلى الدوام العامل الأهم في امتصاص أي محاولات للتغيير، كونها شريان الحياة الأوحد في المجتمعات الخليجية، وقد استثمرتها الحكومات بنجاح لتعزيز هيمنتها على مفاصل الدولة (عبدالحق، 2014).
إضافة إلى ذلك، فإن البنية التحتية اجتماعيا وفكريا واقتصاديا وسياسيا لم تكن مهيأة طوال عهد الاستقلال في هذه الدول لاستيعاب الديموقراطية بسبب الموانع الكثيرة التي أعاقت تطويرها وتعزيزها، الأمر الذي أدى إلى بطء أي تحول سياسي نحو الديموقراطية.
حدد غيورغ سورنسن (Sorensen، 2015) أربعة شروط مسبقة للديموقراطية تتمثل في: التحديث والثروة والثقافة السياسية كحاضنة لمنظومة من القيم والمعتقدات التي تحدد سياق الفعل السياسي ومعناه، والبنية الاجتماعية للمجتمع وهي الطبقات والشرائح المكونة للنسيج المجتمعي والمنقسمة بين الجماعات التي تساند الديموقراطية كالطبقة الوسطى والعمال في مقابل الفئات المعارضة للانفتاح السياسي، بالإضافة إلى عوامل التأثير الخارجي.
وتبعا لسورنسن، تكمن سيرورات الانتقال نحو الديموقراطية وترسيخها في ثلاثة مراحل تبدأ بالمرحلة التحضيرية وهي النضال السياسي الذي يقود إلى انهيار النظام اللاديموقراطي، لتبدأ بعدها مرحلة اتخاذ القرار وتأسيس معالم النظام الديموقراطي، وأخيرا مرحلة التحول التي تشهد المزيد من التطوير والترسيخ للبنى الديموقراطية مثل كتابة الدساتير الدائمة وإجراء الانتخابات وتداول السلطة وإطلاق الحريات العامة وفرض سيادة القانون واحترامه.
من جانبه، يشرح حاكم المطيري (2011) إشكالية الهوية في الخليج وهشاشة مفهوم المواطنة التي تعتبر محورها الإنساني وهو عصب الديموقراطية، ويرتكز مفهوم المواطنة بحسب تحليل المطيري على حق كل مواطن في الدولة بالمشاركة وحقه في تولي المناصب العامة والتكافل الاجتماعي وحق ممارسة حرياته الشخصية وحقوقه الطبيعية.
من جهته، يرى باقر النجار (2008، يونيو) أن تعدد الهويات في المجتمعات الخليجية قد أدى إلى اختلافات حادة بين الأفراد والجماعات وخلق ظاهرة صراع الهويات المتمثلة في تسابق الجماعات ذات الانتماء الضيق كالطائفة أو القبيلة من أجل الاستحواذ على مركب القوة القائم في المجتمع أو محاولة توجيه انحرافه أو ميل كفته نحو الأنا دون الآخر.
في السياق نفسه يحذر محمد محفوظ (2013) من انه إذا كانت الهوية هي مصدر إشعال الصراع المجتمعي فإن العلاقة بين مكونات المجتمع تكون صادمة وتعسفية وقهرية، ويندفع بموجبها الإنسان عقليا ونفسيا إلى التمسك التام بتلك العناصر المستهدفة من الشريحة التي ينتمي لها، بينما إذا كانت هذه العلاقة مرنة ومتسامحة ومتفاهمة فإنها تدفع إلى ترتيب روابط إيجابية وحيوية ومثمرة مع عناصر الهويات الأخرى، ويربط محفوظ طبيعة هذه العلاقة بمفهوم الاستقرار السياسي، فالتوترات الدينية والمذهبية والقومية والعرقية هي وليدة التعسف المجتمعي في التعامل مع روافد الإنسان أو دوائر انتمائه فردا وجماعة.
وترى سوسن كريمي (2015) أيضا أن مجتمعات الخليج قائمة على شكل هويات كتل (Collective Identities) تتألف من قبائل وقرويين وحضر لتندرج تحت مسمى «الموزاييك الجامد».
علي الكواري (2002) يحدد بدوره إشكالية الديموقراطية الخليجية، حيث إن الشعب هو مصدر السلطات والشرعية الدستورية، وأساس التعاقد المجتمعي المتجدد وامتلاك مصادر ووسائل المشاركة الفعالة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا عند امتلاك المواطنين كأفراد وجماعات الحد الأدنى من مصادر الاستقلال الاقتصادي والتصرف الاجتماعي والعمل السياسي، لكن الكواري لا يرى في تطبيقات المواطنة ببعديها القانوني والعملي الأساس القويم لقيام ديموقراطية حقيقية وراسخة تحت شعار حاكمية الشعب.
من جانب آخر، يربط عبدالحق دحمان (2014) تعثر العملية الديموقراطية في الخليج بلعنة الموارد المالية، حيث يتجه مسار الديموقراطية عكسيا مع إيرادات النفط النقدية.
ويضيف عبدالحق أن الطفرات النفطية العالمية الثلاثة في الأعوام 1973 و1979 و2006 ساهمت في تطوير الخدمات الأساسية العامة وبلغت مؤشرات الصحة والتعليم والدخل الفردي معدلات فاقت حتى الدول المتقدمة، إلا أنه لم يواكب ذلك أي تطور يذكر للديموقراطية. ولا تعكس دراسة توماس فريدمان (Freidman, 2006) كذلك نظرية القانون الأول للسياسات النفطية، حيث العلاقة الارتباطية بين سعر النفط ووتيرة استدامة الحريات السياسية والإصلاحات الاقتصادية تسير في اتجاهين متعاكسين في دول النفط الغنية، وكلما ارتفع متوسط سعر النفط العالمي فإن حرية التعبير والصحافة والانتخابات الحرة واستقلال القضاء وسيادة القانون تتعرض للتآكل، بينما إذا انخفضت أسعار النفط تضطر البلدان النفطية للتحرك نحو نظام سياسي أكثر شفافية وأكثر تركيزا على البناء القانوني والاهتمام بالهياكل التعليمية التي من شأنها تعظيم قدرات شعوبها.
في المقابل ترى بعض الدراسات الأخرى الديموقراطية الخليجية من منظور أكثر إيجابية وتفاؤلا، فالديموقراطية ليست من المفاهيم الغريبة أو الطارئة على دول الخليج التي شهدت من دون استثناء محاولات ومساعي مختلفة للتبني وتعزيز أشكال متعددة من الديموقراطية عبر تاريخها السياسي، ورغم محدودية هذه التجارب أو انكفائها السريع إلا أنها تركت أثرا مهما ولو بشكل جزئي على التركيبة السياسية الاجتماعية، كما نجح بعضها نسبيا بشكل أفضل.
واستعرض علي الكواري (2002) وعبدالله العمادي (2004) محمد صادق اسماعيل (2010) وباقر النجار (2008) عدة نماذج من مجالس الشورى والمجالس التشريعية والمجالس البلدية والمحلية وكذلك المجالس التخصصية للصحة والمعارف وغيرها ذات التمثيل الأهلي في عموم دول مجلس التعاون الخليجي منذ الربع الأول من القرن العشرين نتيجة لمطالبات شعبية.
أما الكويت فقد حقق فيها أنصار الديموقراطية إنجازات سياسية هي الأكبر والأوسع نطاقا في المنطقة، فقد نجحت المعارضة بعد عدة محاولات بدأت عام 1921 في انتخاب أول مجلس تشريعي وضع وثيقة دستورية حدد فيها مفهوم فصل السلطات وتفويض المجلس المنتخب بإدارة ميزانية الدولة وإطلاق يدها في الهيمنة على مقاليد الحكم في البلاد وذلك في العام 1938، إلا أن هذه التجربة الديموقراطية قد فشلت، لكنها أسست نواة الحكم الدستوري في العام 1962 من جديد، وهو النظام الذي مازال قائما حتى الوقت الراهن (أسيري، 2010).
ولعل من الأمور المهمة التي لعبت دورا كبيرا في احتواء المد الديموقراطي في منطقة الخليج ظهور الثروة النفطية بعوائدها الجبارة وتغير التركيبة السكانية التي واكبت ذلك، فقد لعبت الثروة النفطية دورا محوريا في النهوض بمؤشرات التنمية البشرية لدول الخليج وارتقائها في تصنيف التنمية البشرية العالية وفق دليل الأمم المتحدة منذ بدايات عقد السبعينات من القرن الماضي حتى وقتنا الحاضر (انظر جدول 1 و2).
كما ساهمت العوائد المالية الضخمة، والمقدرة بعشرات المليارات من الدولارات سنويا، في توفير الخدمات الإنسانية التي تعتبر أساس الاستقرار الاجتماعي والسياسي في أي مجتمع كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية وتوفير السكن الحكومي والضمان الوظيفي والرواتب التقاعدية، ويعكس (الجدول 3) مؤشرات الشعور بالرفاه والرضا لدى مواطني دول مجلس التعاون، ومما يعكس أهمية المال السياسي ارتفاع مستويات الرضا بالمؤشرات الخاصة بالخدمات وكذلك الثقة بالحكومة في الدول الأكثر غنى مثل الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر ودولة الكويت والمملكة العربية السعودية.
بالإضافة إلى ذلك، كان للثروة النفطية تبعاتها السلبية أيضا، حيث تحولت المجتمعات الخليجية إلى دول ريعية وعلى درجة عالية من الرفاه، واعتبرها البعض نموذجا للاتكالية وحياة الترف والبذخ على حساب الإنتاجية الفعلية وضمور قوة العمل الحقيقية بين مواطني دول مجلس التعاون، فمع مرور الوقت تزايدت نسبة الوافدين في معظم دول الخليج العربية وقفزت بمعدلات عالية لدرجة أن معظم مواطني الخليج أصبحوا أقليات في بلدانهم، كما أن غير المواطنين باتوا المسيطرين على قوة العمل وبنسبة تكاد تصل إلى 90% وأكثر (انظر شكل 3).
لعنة الثروة- بحسب تعبير البعض- تركت آثارها الإيجابية من جانب ولكن ساهمت في أبعاد مهمة في الحاق اختلالات جوهرية بالبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في دول المجلس الخليجي، وفي مقدمتها المطالبات السياسية المحدودة في طبيعتها والهشة في توفير الحاضنة المجتمعية والثقافة الشعبية مما أضعف مسيرة هذا الحراك وتطوره مع مرور الزمن.
لذلك، فإن المطالبات السياسية في معظم دول الخليج لم تتواكب مع التدرج التاريخي ولم تعهد تطورا تدريجيا، بل كانت تطفو بشكل فجائي تبعا لظروف داخلية أو بسبب التأثيرات الخارجية وسرعان ما تتلاشى وتتراجع بانتهاء تلك الظروف أو انحسار المؤشرات الخارجية (العمادي، 2004).
التحولات الديموغرافية في دول الخليج العربي
السؤال المهم الذي يطرح نفسه يتمثل في استمرار هذا الوضع الجامد أم ان التحولات الجديدة التي يشهدها العالم، إضافة إلى التغييرات التي بدأت تعصف بسلطة الثروة المالية ومحوريتها بالتحكم في مفاصل الدولة قد تتراخى وتفتح معها آفاقا جديدة لتحولات سياسية مرتقبة؟
لعل التغيير الجيلي في ضوء النمو السكاني وتركيبته العمرية يكون أحد المعابر المهمة نحو تغيير سياسي حقيقي، لذلك من المهم إلقاء نظرة مستقبلية على حركة التغيير الديموغرافي في دول مجلس التعاون خلال السنوات القادمة وعلى أقل التقديرات حتى منتصف القرن الحالي، وقد يكون استقراء معدلات النمو السكاني والتوزيع العمري للسكان من الدراسات الصعبة والمعقدة خاصة في دول العالم الثالث وفي منطقة الخليج تحديدا، وذلك لاستمرار تدفق حركة الهجرة والوافدين المستقرين من أجل العمل، إلا أن هناك مؤشرات يمكن الاعتماد عليها لاستنتاج معالم البنية السكانية في هذه المجتمعات.
يقارن (الشكل 4) التوزيع الهرمي للسكان بين دول العالم المتقدمة والدول النامية حيث التناسب المثالي بين الفئات العمرية في الدول الأكثر تقدما، حيث الشريحة العمرية المنتجة تمثل الغالبية الساحقة في المجتمع، ويبلغ متوسط عمر الفرد في هذه الدول خلال الفترة الراهنة 36 سنة، ويمتد هذا المتوسط حتى سن 45 سنة في العام 2050، في توازن يحقق قدرة الفئات المنتجة على القيام بواجباتها تجاه الفئات اليافعة والطاعنة في السن، بل ينعكس هذا التوزيع العمري بشكل إيجابي على مؤشرات التنمية المستدامة وبالتالي على حالة الاستقرار ومحورية الفرد في صنع القرار بهذه المجتمعات المتسمة بالديموقراطية بشكل واسع.
في المقابل، يغلب على الدول النامية المعدلات الكبيرة في الفئات العمرية الصغيرة، حيث يصل متوسط عمر الفرد في هذه المجتمعات إلى 28 سنة، ويستمر هذا الوضع في ظل تحسن محدود جدا حيث يصل متوسط العمر إلى 37 سنة بحلول العام 2050، ومن الطبيعي أن يستنزف هذا التوزيع العمري قدرات الدول المالية وبنيتها التحتية لتلبية الحاجات الأساسية للقطاعات غير المنتجة والتي تلقي أعباءها على الطبقة المنتجة قليلة الحجم.
الأشكال (من 5-A وحتى 5-C) تعكس اختلالات التركيبة السكانية بوضعها الحالي في معظم الدول الخليجية التي تعتبر ذات كثافة سكانية شبابية بامتياز، ففي حين يبلغ متوسط عمر المواطن السعودي 26 سنة في العام 2010 بلغ متوسط الفرد الكويتي 28 سنة، ولا يختلف الوضع بالنسبة لكل من البحرين حيث متوسط عمر المواطن 27 سنة، بينما في سلطنة عُمان العمر الغالب هو 25 سنة، وعلى الرغم من الارتفاع الجزئي في متوسط عمر الفرد فبكل من الإمارات (30 سنة) وقطر (32 سنة)، إلا أن هذه النسب تبقى في حدود الفئات الشبابية ويمكن تفسير ارتفاع نسبها البسيطة إلى العمالة الوافدة التي تهمين على مجمل عدد السكان في هذه الدول كما بين (الشكل 3).
الأشكال من (2-A) وحتى (2-F) تعكس أيضا حركة نمو السكان في دول مجلس التعاون بين الأعوام من 2010 حتى نهاية القرن الحالي في العام 2100 عبر ست محطات زمنية، ويستنتج من الأرقام الواردة في هذه الأشكال مجموعة من الملاحظات الخطيرة أولاها النمو السريع والمتواصل في جميع المجتمعات الخليجية، ففي البحرين يزداد السكان بمعدل 100 ألف نسمة كل خمسة سنوات، حيث سيرتفع عدد السكان إلى مليون ونصف المليون نسمة في العام 2020 ثم إلى 1.6 مليون نسمة في العام 2030 ومنه إلى 1.8 مليون نسمة عام 2050، ليعود إلى الانخفاض مع نهاية القرن الحالي إلى 1.6 مليون فرد.
في الكويت يتوقع زيادة معدل النمو السكاني بنحو 300 ألف فرد كل خمس سنوات، حيث سيتضاعف إجمالي عدد السكان بحلول عام 2050 ليصل إلى 5.2 ملايين نسمة في منحنى تصاعدي مستمر، وفي المملكة العربية السعودية تعتبر منحنيات النمو السكاني الأعلى على الإطلاق، حيث ستشهد المملكة زيادة قدرها 3 ملايين نسمة كل خمس سنوات، وسيرتفع عدد السكان بمعدل 26% ليصل إلى 38.5 مليون نسمة في العام 2030، ليقفز هذا الرقم بعد ذلك إلى 45 مليون نسمة في العام 2050 وبمعدل زيادة قدرها 50% عن الفترة الحالية، وبالمثل سيزيد عدد السكان في دولة الإمارات العربية المتحدة من 8.3 ملايين نسمة في العام 2015 إلى 10.5 ملايين نسمة في العام 2030 ومن ثم إلى 12.2 مليون نسمة في العام 2050، أي بزيادة قدرها 45% عن الفترة الراهنة.
أما دولة قطر وسلطنة عُمان فهما الأقل نموا للسكان حتى العام 2050، حيث تشهد قطر زيادة قدرها 28% في العام 2050 ليصل إجمالي عدد السكان إلى 2.6 مليون نسمة، بينما سيكون عدد السكان في سلطنة عُمان نحو 3.7 ملايين نسمة في السنة ذاتها أي بزيادة قدرها 22% عن الوقت الحاضر.
هذه الزيادات الكبيرة في عدد السكان حتى منتصف القرن الحالي ستعزز الشريحة العمرية للشباب دون سن 30 سنة لتبقى هي الأوسع نطاقا، وإن تراجعت بمعدلات ضئيلة جدا، وبمعنى آخر ستكون التركيبة السكانية لمعظم دول الخليج في سياق دول العالم الثالث حيث محدودية الفئات المنتجة وتوسع قاعدة صغار السن، حيث يشكل ذلك عبئا مضاعفا وضاغطا ومستمرا على موارد الدولة المالية والهيكلية وخدماتها الأساسية، لذلك تكمن معضلة دول مجلس التعاون في أنها ذات اقتصادات ريعية تعول بشكل أساسي وشبه وحيد على النفط كمورد مالي، مع محدودية آفاق تنويع مصادر الدخل خلال السنوات المنظورة القادمة.
من جهة أخرى، ولعل الأخطر من ذلك هو بقاء الطاقة الإنتاجية للنفط في معظم هذه الدول على وضعها الحالي تقريبا مع تراجع أسعار النفط في ظل المنافسة داخل السوق النفطي أو مع الظهور المفاجئ للنفط الصخري في الولايات المتحدة الأميركية تحديدا بالإضافة إلى القادمين الجدد إلى هذه السوق مثل كندا وعدد من دول أوربا المعتمدة أساسا على النفط المستورد، ومما يعقد هذا السيناريو المرتقب الزيادة المتوقعة في الإنتاج النفطي لكل من إيران بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها، والعراق وليبيا عند تحقيق مستويات أفضل من الاستقرار الأمني، بالإضافة إلى الاكتشافات الجديدة من النفط التقليدي والغاز الطبيعي في عدد من الدول العربية كمصر وسورية والسودان ولبنان واليمن.
انهيار السوق النفطية في العام 2010 وهبوط سعر النفط من 120 إلى 20 دولارا أحدث هزة عنيفة في موازنات دول الخليج النفطية وبات جرس الإنذار يقرع، فكيف إذا استمر هذا الوضع مع تنامي عدد السكان وتوسيع قاعدة الفئات المستهلكة لعقود قادمة؟ (السعدون، 2015).
واكب هذا الاختناق الاقتصادي أيضا تفجر ما عرف بالثورات العربية التي أحدثت زلزالا سياسيا غير متوقع على الإطلاق، أزالت أنظمة سياسية راسخة وقوية ومحكومة بسلطة حديدية، ووصل هذا الربيع العربي إلى حدود منطقة الخليج ليشمل معظم دوله، وبرزت ولو بدرجات متفاوتة جملة من المطالبات السياسية الجريئة وغير المسبوقة.
البعد الاقتصادي
استغلال البعد الاقتصادي ذهب إلى مدى أبعد من الاستغلال السياسي الفردي كما جاء في تحليل جاستن غينغلر (2016)، حيث تقوم الحكومات برعاية واحتضان الانقسامات، التي تميل إليها معظم التجمعات والمكونات الشعبية وإن تحولت إلى تجمعات سياسية لأنها تقوم على الانتماء النسبي وتشكل تحالفات قائمة على أساس طبقي مما يقلل الانغماس في عمل سياسي مشترك.
في ظل تراجع القوة الاقتصادية استغلت الحكومات الخليجية البعد الأمني لتعزيز سلطتها، فالحكومات الخليجية تستمد شرعيتها من خلال شعار توفير الأمن لشعوبها في منطقة غير آمنة، ففي ظل تراجع الإيرادات المالية فإن وجود الدولة ولو بأقل سخاء ولكن مستقرة يكون بالتأكيد خيارا أفضل من الفوضى والمجهول، وقد نجحت هذه الحجة أيضا في التسويق لفكرة الإصلاحات الاقتصادية تحت مبرر تجنب الانهيار الاقتصادي في مقابل استمرار الأمن، ففي ظل المخاوف الأمنية وتجارب الربيع العربي الدامية الاستقرار الأمني يكون ثمنه الشعبي الإذعان السياسي، ومن هذا المنطلق فإنه تتم الاستفادة من المخاوف الأمنية للمواطنين لشراء الدعم السياسي بتكلفة أقل من تكلفة المنافع المادية التي اعتاد عليها الشعوب تحت كنف الدولة الريعية، بل قد يحمل المواطن سداد جزء مهم من الأعباء المالية من خلال فرض الرسوم المالية ورفع الدعم من المنتجات الرئيسية ودفع الضرائب والخضوع لسياسات التقشف الأخرى، ولهذا فإن اصطناع التهديدات الداخلية عن غياب النسيج المجتمعي المستقر والتهويل من الأخطار والتهديدات الخارجية من شأنه تأجيج المخاوف الشعبية على الأمن وأخيرا خفض تكلفة زيادة الدعم السياسي (غينغلر، 2016).
على خط مواز ولامتصاص المد السياسي القادم من الخارج خاصة بعد أحداث الربيع العربي تبنت دول مجلس التعاون، بدرجات متفاوتة، نماذج من الانفتاح التدريجي وفق منظومة الإصلاح من الأعلى إلى الأسفل، كمبادرات من القيادات السياسية دون المجازفة في فتح أبواب الديموقراطية بشكل واسع في مجتمعات مازالت تصنف بأنها تقليدية ولا تتحمل أي تغييرات جذرية غير محسوبة العواقب.
إن التحول الديموقراطي في الخليج يعيش ومنذ عشرات السنين حالة من المد والجزر السياسيين، مع بقاء النافذة المطلة على الديموقراطية مفتوحة ولو بشكل جزئي، ولعل السبب في ذلك يعود إلى عدم توافر البنية التحتية لإرساء دعائم ديموقراطية ثابتة وراسخة، أو حتى إعاقتها تبعا للإرادة السياسية العليا، والاختلالات الكبيرة في البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تعد بمثابة شروط مسبقة لنجاح أي تجربة سياسية جديدة وواعدة، ولن تفرط الحكومات في سلطاتها الواسعة، فاكتفت بإعطاء نفسها حق تمرير جرعات بسيطة منها بين فترة وأخر، في تشبيه جميل لمحمد العصيمي (2013) بأن الخليجيين باتوا يتعاملون مع الديموقراطية باعتبارها «سلعة» تدعمها الحكومات تماما كالكهرباء والبنزين.
مستقبل الديموقراطية في الخليج في ظل التحول الديموغرافي
يبقى السؤال الأهم في هذا السياق حول أثر التغييرات الديموغرافية في منطقة الخليج، وتنامي قاعدة الفئات الشبابية على إحداث اختراقات جديدة في المسار الديموقراطي، فمن العرض السابق يتبين بوضوح أهم العقبات أمام إرساء قواعد ديموقراطية حقيقية، وتمثل هذه العقبات المعقدة ومتعددة مشكلات رئيسية وجوهرية في طريق الديموقراطية، ويمكن تحديد بعض صورها، وكما بينها على الكواري (2002) مفصلا، في الآتي:
أ ـ البنى الثقافية
ما زالت المجتمعات الخليجية تعيش انقسامات عميقة في بعدها القبلي والمذهبي والمناطقي والعرقي، وتطفو إلى السطح بين الآونة والأخرى صور من التراشق اللفظي والنعرات السلبية لتصل إلى حد التخوين والطعن في الولاء الوطني، كما هو واضح في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وتحتاج هذه المجتمعات إلى الكثير من الجهود لخلق ثقافة سياسية قائمة على نسيج مجتمعي واحد ومنظومة من القيم السياسية مثل المواطنة والعدالة والمساواة والعيش المشترك والحريات لتكون أرضية ناجحة لأي مشروع ديموقراطي.
ب ـ البنى الاجتماعية
إن عقودا من الثراء الاقتصادي في دول الخليج قد ساهمت في خلق مجتمعات تغلب عليها القيم الاستهلاكية والروح الاتكالية على الوافدين والخلل في التركيبة السكانية لصالح الأجانب، مع استمرار التمييز الطبقي وتهميش الأقليات العرقية أو الطائفية والتمييز ضد المرأة، الأمر الذي أثر سلبا على قدرة المواطنين على التعاضد والتعاون، وخلق قاعدة إنتاجية فعالة في قوة العمل الوطني.
ج ـ البنى الاقتصادية
على الرغم من الثراء وارتفاع مستويات المعيشة تحت ظل الاقتصاد الريعي، الا أن معظم دول الخليج تعاني من الفساد المالي الناجم عن انعدام الشفافية وآليات الرقابة على الميزانية وموارد صرف الأموال العامة، مع تفشي ظاهرة سوء توزيع الثروة وتبديدها وفقا للمحسوبيات وشراء الولاءات السياسية على شكل هبات ومشاريع خاصة، في مقابل بقاء معظم المواطنين في كنف القطاع العام، الأمر الذي يتعارض مع فلسفة الديموقراطية المبنية على أساس الاقتصاد الحر والمستقل كصمام أمان في العملية السياسية.
د ـ البنى الجيو – سياسية
على الرغم من استقرار حالة الأمن بشقيه الداخلي والخارجي، إلا أن الهواجس الأمنية كانت دائما مصدر قلق لبقاء هذه الدول، ومرد ذلك إلى الإقليم المضطرب وهشاشة المجتمعات الخليجية أمام تأثيرات وتداعيات قوى مهددة لها مثل إيران والعراق وإسرائيل من جهة، والمشاكل الحدودية والسياسية الأزلية بين دول منظومة الخليج ذاتها من جهة أخرى، الأمر الذي وجه جميع هذه الدول إلى صرف مبالغ خيالية وبمعدلات عالية من موازناتها السنوية على الإنفاق العسكري مقارنة بمعدلات الصرف على مشاريع التنمية وتطوير الخدمات العامة (انظر جدول 4).
إن الهاجس الأمني بطبيعته يخلق الاستئثار بالسلطة داخليا والاعتماد على الحليف الخارجي من جانب آخر، وضريبة ذلك مصادرة الإرادة الوطنية للحكومات والشعوب، والتأثير سلبا على قدرتها على التغيير وفقا لمصالحها المشروعة، وكل ذلك على حساب الاهتمام بقضايا مثل الديموقراطية والإصلاح السياسي، ولعل زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحصوله على مبالغ تصل إلى 500 مليار دولار أحد الشواهد الحديثة على استمرار هذا الاتجاه السياسي ذي الطابع الأمني في منطقة الخليج على حساب الانفتاح السياسي والتحول الجيلي المتدرج بسلاسة نحو المزيد من الاستقرار والتنمية.
محصلة العرض السابق تعكس التناقض الكبير المتمثل في التفاوت بين مؤشرات التنمية البشرية ومستويات الرفاه الاقتصادي والاجتماعي من جهة، ومؤشرات الديموقراطية ومعايير الحريات العامة والصحافة وحق تشكيل مؤسسات المجتمع المدني والمشاركة السياسية من جهة أخرى، الأمر الذي يعد بمثابة اختلالات جلية على مدى تناغم الاستقرار السياسي القائم على التعددية والديموقراطية مع مؤشرات التنمية المستدامة وفق نظريات الديموقراطية المعاصرة وتطبيقاتها ونتائجها بين الأمم والشعوب الديموقراطية المتقدمة (انظر جدول 5).
الشباب والمستقبل والديموقراطية
يدور السؤال الأهم حول محورية دور الشباب في رسم مستقبل الخليج، والفارق الذي يمكن أن يتحقق في ظل هيمنة أغلبيتهم العددية في المجتمعات الخليجية على مدى نصف قرن من المستقبل، وتحت تأثير وضغوطات زمن العولمة بفكرها الجديد وبما تملك من فضاء مفتوح ومعرفة واسعة وتقنية عابرة للحدود الجغرافية والعقلية البشرية.
في الحقيقة، لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار مركزية الشباب في دائرة القرار، وتأثيرهم البارز في إحداث تغييرات جذرية على مختلف المستويات، إلا أن الشريحة الشبابية في الخليج، وأسوة بجيل الشباب في عموم العالم العربي لا يملك الكثير من الرؤى والبرامج وآليات التغيير على الرغم من الحماسة والجرأة في طرح المشكلات وتشخيص مكامن الخلل فيها، ويعود السبب في ذلك إلى عقود من الإهمال والافتقار إلى مؤسسات للتنشئة الفكرية والوطنية التي تعاني منها معظم الشعوب العربية، ولكن تبقى هناك حقيقتان لا يمكن تجاهلهما في قضية الشباب في منطقة الخليج، الحقيقة الأولى أن المجتمعات الخليجية دون استثناء ستبقى بل وتتسع مع مرور الوقت وعلى أقل التقديرات حتى منتصف القرن الحالي في العام 2050 كمجتمعات شبابية وحيوية، بمعنى أن الفكر الشبابي والثقافة والسلوك الشبابي ستبقى كعوامل للضغط السياسي والاجتماعي على مؤسسات القرار والديناميكية المجتمعية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الأمواج البشرية المتلاحقة سوف تفرض احتياجاتها الأساسية من التعليم والصحة والرعاية، وبعد ذلك من الرعاية السكنية والضمان الوظيفي، وهي أعباء وتكاليف تتعاظم مع الوقت، ولا يمكن التساهل بشأنها أو حتى خلق أي شعور بأن مستويات المعيشة وحالة الرفاه التي عاشتها الأجيال السابقة قد تراجعت في عهدهم، الأمر الذي يبقى مرفوضا قطعا ومدعاة لموجة من الغضب على نطاق واسع قد لا تحمد عواقبه.
الحقيقة الثانية تتمثل في العولمة الشبابية، وهي مجموعة من القيم والأفكار عابرة الحدود الجغرافية والفضاءات المحلية، ويلتقي حولها الشباب من مختلف دول العالم، فقد تحولت الكثير من المفاهيم إلى «أيقونات» أو «هاشتاغات» في وسائل التواصل الاجتماعي التي يتم تداولها على مدار الساعة حول العالم.
في دراسة حديثة تبنتها منظمة الأمم المتحدة في العام 2015 بناء على استطلاع عالمي تحت عنوان «العالم الذي نريد» جاءت أولويات الشباب حول العالم لتتركز حول الأهداف الإنمائية للألفية الحالية والاستدامة والأمن والشفافية، في حين جاءت أولويات الشباب في منطقة الشرق الأوسط حول التعليم وفرص العمل والرغبة في حكومة أمينة ومتجاوبة والرعاية الصحية والحماية من الجريمة والعنف (انظر شكل 6).
وحذر التقرير من عواقب الإخفاق في مشاريع التنمية في عموم الوطن العربي واعتماد نموذج تنمية جدير بالشباب وقادر على تسخير إمكانات التحول الديموغرافي لصالحه بدلا أن تصبح مثقلة على نحو خطير بشريحة كبيرة من الشباب الذين يفتقرون إلى القدرات المتكافئة ويفتقدون الفرص المتساوية في مجتمعاتهم، وبنيت هذه الرؤية على الاختلالات السياسية الجوهرية في العالم العربي حيث المشاركة المدنية والسياسية ضعيفة بسبب مزيج من القيود المؤسساتية والهيكلية التي تعمق الانخراط في النشاط العام، ومن هذه المؤشرات الحريات المقيدة والفجوة بين القانون والممارسة والمشاركة المحدودة في السلطة، بالإضافة إلى انعدام المنافسة السياسية حيث الفكر الوسطي غير قادر على مجاراة الفكر الراديكالي والمتطرف (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2016 ب).
أما تجربة الربيع العربي، فقد بينت أن الرغبة في الديموقراطية تنتشر بشكل أكبر في صفوف العرب الأقل عمرا والأرفع تعليما، وتتأكد هذه الرغبة خليجيا في نتائج استطلاع المؤشر العربي الذي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (2017)، حيث جاءت نظرة 65% من الكويتيين إيجابية تجاه الثورات العربية مقابل 33% فقط ممن كانت نظرتهم سلبية.
وعلى المستوى العربي أيضا، بينت استطلاعات المؤشر العربي لمجموعة من الدول العربية أن 67% من المواطنين عبروا عن معارضتهم لمقولة إن النظام الديموقراطي غير جيد للحفاظ على النظام، في حين عبر 72% عن تأييدهم لمقولة إن النظام الديموقراطي وإن كانت له مشكلاته فهو أفضل من غيره من الأنظمة، كما رأى 77% من المواطنين العرب أن النظام الديموقراطي التعددي ملائم لبلدانهم، في حين أبدى 67% منهم قناعتهم بأن الديموقراطية لا تتعارض مع الإسلام، وأخيرا فإن 49% في مقابل 43% من العرب رأوا أن مجتمعاتهم قد باتت مهيأة للديموقراطية (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017).
بالتزامن مع النظرة الإيجابية الواسعة تجاه الديموقراطية في الوطن العربي ومنطقة الخليج، فقد اقترح تقرير حديث للأمم المتحدة «نموذج تنمية للشباب» من شأنه تحقيق انفتاح حضاري يتواكب مع متطلبات العصر وقوامه سبعة أبعاد هي: المعرفة، الحياة المديدة والصحية، المشاركة في الحياة السياسية وفي المجتمع، الاستدامة البيئية، الأمن البشري وحقوق الإنسان، تعميم المساواة والعدالة الاجتماعية وتعزيز المستوى المعيشي اللائق (الشكل 7)، واشترطت على الحكومات فتح مجال الحوار وتمكين الآليات الرسمية وغير الرسمية لنقاشات صريحة وعقلانية في هذا الاتجاه (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2016 أ).
الهوية الشبابية
الهوية الشبابية في المرحلة القادمة ستتشكل حول مجموعة من الصفات الجديدة الآخذة في التنامي، وبالتالي تتوافر لها الأرضية لاستبدال بعض أوجه الجمود في البنى الأساسية للديموقراطية، وتكمن محاور هذه الصفات في استبدال ديناميكيات الحراك الاجتماعي، فمن جهة ساهمت التقنيات الحديثة في اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي بدلا من مؤسسات المجتمع المدني التقليدية الضعيفة أو المحدودة في المجتمعات الخليجية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن سقف المطالب والرغبات والطموحات السياسية للشباب انطلق من المحدودية إلى العالمية، ومن التدرج إلى السرعة والاختزال، ومن طريقة الاستجداء إلى فرض الأمر الواقع، بالإضافة إلى الضغط العددي الكبير التي تتشكل منه القاعدة الشعبية الشبابية على متخذ القرار أيا كان موقعه وصلاحياته وأدواته السياسية.
فجيل الشباب يتميز بجرأة كبيرة في الطرح السياسي وبشكل مباشر ويميل إلى كسر المظاهر التقليدية التي جبل عليها أسلافهم، ويشمل ذلك طرق مخاطبة السلطات، وهو جيل قادر على خلق رأي عام بشكل سريع، وخلال سنوات سينتشر هذا الجيل والأجيال التالية في مفاصل الدولة وفي مواقع القرار وهم يحملون أفكارهم التغييرية.
في دراسة لتقرير التنمية الإنسانية العربية، يتحول الشباب الأقل عمرا والأكثر تعليما إلى كونهم أقل طاعة للسلطة، فمشاعر عدم الرضا وضعف القدرة على التحكم في مسار الحياة ووجود فضاء أكبر للتعبير عن الذات والانتشار يقابلها التراجع عن الرضوخ أو الإذعان السياسي الأعمى للسلطة (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2016 ب).
وجيل الشباب اليوم هم الأكثر انخراطا في المشاركة المدنية والحراك السياسي وتنعكس في التوقيع على البيانات السياسية والاحتجاجات، والانضمام لمؤسسات المجتمع المدني، كما أن الشباب الساخطين بشدة هم أقل ميلا إلى استخدام العمل الاجتماعي لتغيير بيئتهم، ويميلون إلى اختيار أشكال احتجاج أكثر عنفا، وأخيرا فإن الشباب غير العاملين الذين يواجهون الحرمان والتهميش والإقصاء هم الأكثر عرضة لتجنيدهم من قبل التيارات المتطرفة والميليشيات المسلحة.
الخلاصة
قد يكون من الصعوبة بمكان التنبؤ بشكل حاسم ودقيق للمستقبل السياسي في منطقة الخليج في ظل التحول الكبير في المنظومة السكانية، كما أن التجارب السياسية لكل دولة تختلف في سياقها التاريخي وما أفرزت من بنى سياسية واقتصادية وثقافية، وتعتمد هذه التجارب على جهود تعزيز المساعي الديموقراطية والتعرف على تلك البنى وتحدي تأثيراتها على عملية الانتقال إلى الديموقراطية وبدء عملية التحول السياسي.
لكن المنحنى الشبابي في تنام واضح ومطرد ويحمل معه مجموعة كبيرة من مضامين التغيير ومفاهيم الحياة العصرية، التي ستفرض نفسها كواقع حتمي ويساعده في ذلك الضغط العددي المتزايد حتى منتصف القرن الحالي على أقل تقدير، إلا أن المؤشرات السياسية لا تتفق إطلاقا مع المؤشرات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في هذه المجتمعات، الأمر الذي يؤكد صعوبة استمرار هذا مثل الخلل لفترات طويلة قادمة.
إن قدرة الشباب على إحداث أي تغييرات سياسية في مستقبل دولهم الخليجية تكمن في احتمالين، أولهما هو الضغط المتواصل على مفاصل الدولة لتلبية احتياجاتها اليومية كتوفير فرص العمل والتعليم والصحة، حيث إن الأرقام المستقبلية كبيرة لدرجة تبعث على الترقب والقلق، بينما يأتي الاحتمال الثاني على شكل المفاجأة في مطالبات سياسية ذات السقف العالي، وهي بمثابة قنبلة موقوتة تكررت في عدة محطات سابقة ولم تسلم منها أي دولة خليجية، فأي حراك شبابي قادم سوف يكون أوسع في دائرته ومحيطه وتأثيره.
الحكومات الخليجية في المقابل ستعاني معضلة حقيقية، فهي باتت تقع بين كماشتي الاستمرار في الاقتصاد الريعي وهذا لا يمكن أن يتحقق للأبد، أو المزيد من الإصلاحات الاقتصادية التي يجب أن تسوق بنجاح وبالتزامن مع إصلاحات سياسية واضحة ومقنعة.
يبقى البعد الأمني الخليجي على درجة كبيرة من الأهمية وخاصة تحت مظلة الحماية الأجنبية، ولكن لا يمكن الركون إلى ذلك باطمئنان أو ثقة مطلقة.
كما أن التغيير السياسي في الحكومات الغربية قد يكون سلاحا ذا حدين، فإدارة أوباما على سبيل المثال فاجأت الجميع بتغيير سياستها الخارجية تجاه دول الخليج تحديدا، ووجهت انتقادات لاذعة ومباشرة لحكوماتها ودعا الرئيس الأميركي بشكل صريح إلى المصالحة مع الشعوب، معتبرا التحديات الداخلية بما في ذلك الحرمان السياسي، أهم وأخطر من التهديدات الإقليمية بما فيها الخطر الإيراني (مؤسسة أبعاد البحثية، 2015)، كما أن الرأي العام العالمي في ظل الانفتاح الإعلامي الواسع سيشكل ورقة ضغط لتسويق الديموقراطية التي لم يتبق سوى دول قليلة في العالم لم تشهد معالمها.
قد تكون دول الخليج في بدايات الطريق نحو الديموقراطية، وتشترك بشكل عام في الكثير من صور التخلف السياسي وانعدام الوعي السياسي والثقافة المجتمعية الناضجة في مقابل استمرار الاختناقات المذهبية والقبلية والعرقية، ومثل هذه الانقسامات الحادة قد تكون ذات نتائج كارثية إذا لم يتم احتواؤها في بوتقة التعايش المشترك التعددي، خاصة أن التجارب المريرة في العراق وسورية وليبيا واليمن شاخصة وجلية.
لقد بدأت الدول الخليجية في تبني بعض المشروعات المستقبلية الواعدة ومحورها الشباب، وفي مقدمة هذه البرنامج الطموحة خطط التنمية الاستراتيجية الممتدة للعام 2035 والتي دشنتها كل من السعودية وقطر والإمارات والكويت، ولكن هذه الخطط بحاجة مؤكدة إلى غطاء سياسي يتمتع بالشفافية والشراكة الحقيقية في اتخاذ القرار على نحو مؤسسي، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عن طريق المعابر الديموقراطية.
إن منطقة الخليج لا تزال تتمتع بدرجات أعلى من الاستقرار السياسي مقارنة بالكثير من نظيراتها العربية، ولكن يجب المحافظة عليها وتعزيزها عبر بوابة المزيد من الانفتاح السياسي وتدشين المبادئ الأساسية للديموقراطية على الأقل، ويظل القدر المتيقن حول المستقبل السياسي في معظم دول الخليج مرتبطا بخطوات واعدة، وإن كانت على شكل انفتاح متدرج نحو الديموقراطية خلال العقود القادمة، إلا أن نجاح هذه الخطوات مرهون بإرادة الحكومات والشعوب معا والقناعة الحقيقية لدى الجميع بأنها مشروع لإقامة نظام حقيقي وراسخ وليس مجرد خيار شكلي أو مصطنع.
قائمة المصادر
المصادر العربية
٭ الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (2016). قواعد المعلومات الإحصائية للأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. استرجعت في تاريخ 10 نوفمبر، 2016 من http://www.gcc-sg.org/ar-sa/Pages/default.aspx.
٭ الدسوقي، أيمن إبراهيم. (2015، أبريل). معضلة الاستقرار في النظام الإقليمي الخليجي. المستقبل العربي، 434، 69-84.
٭ النجار، باقر سلمان (2008). الديموقراطية العصية في الخليج العربي. بيروت: دار الساقي.
٭ باقر سلمان النجار (2008، يونيو). الفئات والجماعات: صراع الهوية. المستقبل العربي، 352، 34-47.
٭ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) (2014). تقرير التنمية البشرية 2014. نيويورك: الأمم المتحدة.
٭ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) (2015). تقرير التنمية البشرية 2015 (لمحة عامة). نيويورك: الأمم المتحدة.
٭ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) (2016 أ). تقرير التنمية البشرية 2016 (لمحة عامة). نيويورك: الأمم المتحدة.
٭ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) (2016 ب). تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2016: الشباب آفاق التنمية الإنسانية في عالم متغير. نيويورك: الأمم المتحدة.
٭ سالم، بول (15 نوفمبر 2011). الربيع العربي من منظور عالمي: استنتاجات من تحولات ديموقراطية في أنحاء أخرى من العالم. استرجعت في تاريخ 20 أغسطس 2017 (مركز كارنيغي للشرق الأوسط http://carnegie-mec.org/2011/11/15/ar-pub-45980).
٭ غينغلر، جاستن (29 أغسطس 2016). الاقتصاد السياسي للطائفية في الخليج. استرجعت في تاريخ 20 أغسطس 2017 (كارنيغي للشرق الأوسط carnegie-mec.org/2016/08/29/ar-pub-64408).
٭ السعدون، جاسم (21 ديسمبر 2015). الاقتصاد في خطر: الحكومة عاجزة وسيئة الإدارة والإصلاح يبدأ باستئصالها، صحيفة «القبس» الكويتية، 15286، ص9.
٭ الأشقر، جلبير (2013)، الشعب يريد: بحث جذري في الانتفاضة العربية، بيروت: دار الساقي.
٭ المطيري، حاكم (13 ـ 14 أكتوبر 2011). إشكالية الهوية إشكالية الهوية في الخليج والجزيرة العربية: توحيدها وتجديدها. قدم إلى مؤتمر وحدة الخليج والجزيرة العربية، البحرين.
٭ إبراهيم، حسنين توفيق (14 فبراير 2013). الانتقال الديموقراطي: إطار نظري. استرجعت في تاريخ 20 أغسطس 2017 (مركز الجزيرة للدراسات السياسية، الدوحة http://studies.aljazeera.net/ar/files/arabworlddemocracy/2013/01/201312495334831438).
٭ غباش، حسين (2010). الجذور الثقافية للديموقراطية في الخليج: الكويت والبحرين (تاريخ الشعوب الصغيرة). بيروت: دار الفارابي للنشر والتوزيع.
٭ عبدالحق، دحمان (أكتوبر 2014). دور النفط في تشكيل البنية التحتية السياسية للممالك الخليجية، المجلة الجزائرية للسياسات العامة، 5، 155-183.
٭ أبراهام، رنا (2016). مواجهة تحدي الإصلاحات السياسية في دول مجلس التعاون: تحقيق التحول السياسي المحلي من خلال التكامل الإقليمي. في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية: التحديات الاجتماعية والاقتصادية (ص583-620)، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
٭ بونعمان، سليمان (2013). فلسفة الثورات العربية: مقاربة تفسيرية لنموذج انتفاضي جديد. الرياض: مركز نماء للبحوث والدراسات.
٭ كريمي، سوسن (5 ـ 6 فبراير 2015). مستقبل المواطنة والهوية الخليجية. قدم إلى اللقاء السنوي الخامس والثلاثين حول مستقبل مجلس التعاون الخليجي: البعد الاجتماعي، منتدى التنمية، الكويت.
٭ أسيري، عبدالرضا (2014). النظام السياسي في الكويت: مبادئ وممارسات (الطبعة 12)، الكويت: دار الوطن.
٭ العمادي، عبدالله (3 أكتوبر 2004). الديموقراطية في الخليج.. مطلب شعبي أم خارجي؟ استرجعت في تاريخ 20 أغسطس، 2017 (مركز الجزيرة للدراسات السياسية، الدوحة http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2004/10/3).
٭ النفيسي، عبدالله (25 مايو 1999). مقابلة محمد كريشان مع الأمين العام للمؤتمر الشعبي لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني في الخليج والجزيرة العربية. استرجعت في تاريخ 10 يناير 2005 من قناة الجزيرة الفضائية http://www.aljazeera.net/programs/guest-and-an-issue/2005/1/10.
٭ وطفة، علي أسعد (2015، أكتوبر). العمالة الوافدة وتحديات الهوية الثقافية في دول الخليج العربية. المستقبل العربي، 344، 68-81.
٭ الكواري، علي (محرر) (2002). الخليج العربي والديموقراطية: نحو رؤية مستقبلية لتعزيز المساعي الديموقراطية. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
٭ سورنسن، غيورغ (2015). الديموقراطية والتحول الديموقراطي: السيرورات والمأمول في عالم متغير (عفاف البطاينة، مترجم)، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
٭ الوقيان، فارس مطر (يونيو 2009). المواطنة في الكويت: مكوناتها السياسية والقانونية وتحدياتها الراهنة. مركز الدراسات الإستراتيجية والمستقبلية، سلسلة الفكر الاجتماعي، جامعة الكويت 1.
٭ أمعضشو، فريد (2012). آفاق التحول نحو الديموقراطية في بلدان الربيع العربي. مجلة الآداب، 60 (خريف)، ص111-120.
٭ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (2017). المؤشر العربي 2016. الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
٭ محفوظ، محمد (سبتمبر 2013). الهوية والتعددية والوحدة في الخليج العربي: مقاربة نظرية. استرجعت في تاريخ 20 أغسطس 2017 (مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر http://www.islammoasser.org/ArticlePage.aspx?id=1186).
٭ إسماعيل، محمد صادق (2010). الديموقراطية الخليجية: إنجازات وإخفاقات. القاهرة: العربي للنشر والتوزيع.
٭ العصيمي، محمد (22 أكتوبر 2013). بضاعة الديموقراطية في دول الخليجية. صحيفة العرب، 9356، ص9.
٭ مؤسسة أبعاد البحثية (29 مارس 2015). عقيدة أوباما: الترجمة الكاملة لمقابلة رئيس الولايات المتحدة مع «أتلانتك». استرجعت في تاريخ 20 أغسطس 2017 (http://abaadres.com/?p=1944).
المصدر: الأنباء الكويتية